ذاك اليوم عندما صفعني رئيس المركز وعندما جندلني نائبه بقبضته الغليظة ومزق العريف قميصي وخنقني ثم جرجرني إلى حجرة تفوح منها رائحة الطبيخ المحروق ..هنيهة ثم أمرونا أن نوطوبر بالممر ..كان هناك عسكر ضاحكونا بعيون بلهاء يثي
رون نحونا ..لما لم تصفقوا أيها الأغبياء..
أيام رزنامة لا تنسى .. مرت سنوات وكلما أرى بلاط ممر متسخ يذكرني بالطابور والعويل والصراخ .. حتى ذاك اليوم كنت بالقرب من العناية الفائقة.. لمحته مسجيا فوق سرير ينفث يريد الهواء والحياة ..اقتربت رنوت إليه من وراء الزجاج النظيف .. كان قد اعوج فمه وتهدلت وجنتاه مبحلقا بعيون فزعة إلى السقف يطلب الغوث ..
علا الفرح أساريري وكم اندهشت لتقلب الحياة فأنا لم أمت ولازلت أثب كجندب واعطس والشمس تزيدني تمسكا وإلحاحا .. ها قد التأمت قروحي وعرقي ينز برائحة الهمة فاليد الطولى قصر وانقطع حبلها مريضها لا يشفى بل يشقى ويعاني غدر الزمان..
اندهش أنني لم أمت غضبا وإلى الآن ولازلت أثب كأرنب بري وأعطس كديك مزرعة وأنام ملء جفني و بالرغم من الروث والبعوض والصراصير ..
أيام أتذكرها برزنامتى عندما علي صوتي بمواجهتهم.. تسرقون اقسم انكم تسرقون بالتزوير والغش وتدمرون عيالنا ووطننا .. تنادوا وبصوت خفيض واحد اخفض صوتك.. كل البلاد هكذا يا أهبل .. فكر بمستقبلك رددت وأنا أعطيهم بظهري هاربا معاذ الله أن أطعم عيالي السحت أنه يقوى كالجبال ويتقطع بعد أمد كالحبال ..
سنوات أراهم يتهافتون أمامي على الأطباء بمذلة وبروح ذاوية يجرجرون أقدامهم فقد خسروا المعركة وحولهم داء السكري إلى أكوام عظام بشوالات خيش .
اندهش.. أنا سعيد أنني لم أمت إلى الآن .. ازأر كغضنفر وسط الربيع الأخضر تغمرني خيوط الشمس الذهبية ومن حولي تركض الفئران مذعورة ..أعاود الزئير المجلجل هاهو وطني وهاهي أرضي نعيم الدنيا ..
سعد المنصورى ..